الجزء 28 و الأخير

الجزء 28 والأخير: قررت أحلام أن تسافر من توها إلى الوطن في محاولة لاسترجاع جابر. وافقتها أمها وإخوانها الثلاثة وقرر أخوها الأكبر أن يرافقها ليساعدها في أي شيء تحتاجه. أما رأفت فقد كان مستاءً من سفر أحلام وحاول أن يقنعها بمحاولة إقناع رامز عن طريق الهاتف لإرسال جابر. وهذا الكلام لم يعجب أحلام. فإن دلَّ ذلك على شيء دلَّ على عدم اهتمامه بمصير جابر ودل على أنانية متأصلة في نفسه. أما مصطفى فقط تعاطف مع أحلام جداً وقال لها ولأخيها أن لا يقلقا على إدارة الشركة وأنه سيقوم بكل ما يلزم خلال فترة سفرهما. وكان مصطفى على معرفة بمحام بارع في أرض الوطن، فاتصل به وطلب منه أن يبذل قصارى جهده وخبرته القانونية ليرجع جابراً الى حضانة أمه.
سافرت أحلام وأخوها وبدآ بمحاولات وِديَّة مع رامز لاسترجاع جابر، دون جدوى. فقررت أحلام استدرار عطف جدة جابر لأبيه، وبدأ قلب الجدة يلين لأنها ترى العذاب النفسي الذي يمر به جابر. ولأنها أدركت مدى الظلم الواقع على أحلام ولأنها أم وامرأة أيضاً.  حاولت أم رامز اقناعه بإرجاع جابر مع أمه ولكنه أبى. 
ذهبت أحلام وأخوها إلى المحامي للسؤال عن الوضع القانوني فأجابهم أنك هناك أمل لكن المجاري القانونية ستأخذ وقتها وربما يكون وقت الانتظار طويلاً؛ قرابة العام. ونصح أحلاما وأخاها بالعودة إلى أشغالهم وأنه سيظل على اتصال بهم. فقررت أحلام رفع دعوى حضانة ضد رامز وطلبت من المحامي الإسراع في بدأ العمل وأن يضمن لها حق الزيارة مرتين أو ثلاث مرات خلال الأسبوع على الأقل. فقد قررت المكوث في منزل العائلة في الوطن حتى يتسنى لها البقاء قريباً من ولدها ما أمكن. وعدها المحامي بأنه سيستخدم كل قدراته لضمان ذلك.
كان أخو أحلام يحب احلاماً جدا ويثق بها ولكنه لم يستطع المكوث معها أكثر من أسبوع آخر فكانت أعمال الشركة تتطلب وجوده أو وجود أحلام فيها.
قرر الأخ أن يسافر بعد أن طلب من خالته الكبرى المكوث مع أحلام في المنزل؛ فقد كانت تعيش مع عائلة ابنها المتزوج. كانت الخالة تعتبر أحلاما كابنتها ووافقت على التو.
عندما وصل أخو أحلام إلى بلاد الغربة، بدأ رأفت بمساءلته عن كل كبيرة وصغيرة وكأنه في جلسة تحقيق. وقد صرح للأخ أنه لا يوافق أن تبقى أحلام في الوطن منتظرة نتيجة محاكمة قد يكون الحكم فيها لصالح رامز. أجاب الأخ بصرامة: صارح أحلام بأفكارك هذه وقل لها بصراحة إما أنا أو ابنك.  فتح رأفت عينيه بسعة وقال: أنا لم أقل ذلك. أجاب الأخ: بل فعلت. وليكن في علمك أنني سأساند أحلام بكل ما تقرر.
بعد عدة أيام قرر رأفت مصارحة أحلام بأفكاره. ولم يكن صعباً على أحلام الأم الرقيقة ان تختار ولدها. وأجابته بكل وضوح: أنا أم أولا ثم امرأة ثانياً.  وفسخت الاتفاق وأرسلت له خاتم الخطبة في البريد المسجل.
كان مصطفى دائم الاطمئنان عن أحوال أحلام وجابر. وبدأ يحس بالفراغ الكبير الذي تركه هذان في حياته وحياة أبنائه كذلك.  
رتب مصطفى "رحلة عمل" إلى أرض الوطن وسافر هو شخصياً.  لم يكن من عادته الذهاب ولكن صوتاً ما دفعه إلى ذلك. كانت عنده رغبة ملحة بالوقوف إلى جانب أحلام. كانت رغبته في رؤية وجهها لا تهدأ. لم يدر مصطفى تفسيرا لهذا الشعور. ما زال يحب روزا ويعيش مع ذكرياتها. هل يستطيع أن يحب اثنتين؟ ماذا يحصل؟ لم يدر مصطفى الإجابة لكنه كان يعلم فقط أن عليه الوقوف بجانب أحلام.
عندما وصل مصطفى إلى أرض الوطن، توجه من توه إلى منزل أحلام، دق جرس الباب وكان قلبه يخفق بشدة وكأنه شاب في العشرين. فتحت أحلام الباب وقد انهارت كل جدران الجليد التي بنتها حولها طول العمر وبدأت دموعها تنزل بغزارة المطر وتقول: لقد خسرت جابر، لا أستطيع العيش بدونه. وكان الشحوب بادياً عليها وبالرغم من لبساها الشرعي الفضفاض، كان واضحاً انها قد خسرت الكثير من الوزن. حاول مصطفى تهدأتها بعدة كلمات وأكد لها أنه سيساعده قدر المستطاع. وناولها بعض الهدايا من والدتها لها ولجابر. وقدم لها هدايا أخرى منه ومن أبنائه لجابر. حصل كل هذا أمام باب المنزل وعلى مرأى و مسمع من خالتها.
ذهب مصطفى من توه إلى المحامي وسأله عن القضية. أجاب أن كسبها صعب لأن مكان إقامة الأم خارج الوطن و يمكن له كسب القضية في حال قررت أحلام المكوث في الوطن، بالرغم من أن عمر جابر أكبر من السن المتعارف عليه قانوناً لضمه لأمه لأسباب أهمها إهمال الأب له طوال أحد عشر عاماً و بسبب الخداع الذي تم في استدراج الصبي الى الوطن و بسبب عدم زيارة جابر لمنزل والده إلى الآن و المعاملة الجافة له من إخوته من أبيه. سأل مصطفى بذكاء: لماذا لم يذهب جابر لزيارة أبيه في ننزله. أجابه المحامي: لأن منى ترفض ذلك وقد حصلت على هذه المعلومات من جدة جابر. فقد قررت مساعدة جابر للالتحاق بأمه بعد ان رأت تدهور نفسيته ومعاملة والده وزوجة والده وإخوانه معه. ولأنها أدركت أن تصرفات ابنها هي بسبب غيرته الشديدة من خطبة أحلام من رأفت. مصطفى: وهل يعلمون الآن أن الخطوبة انتهت؟ المحامي: نعم. لكن رامز مصرٌّ على حرمان أحلام منه لأنه أدرك الآن أن لديها القابلية للزواج والاستمرار في حياتها. اجتهادي يقول انه قد ندم على طلاقها لكنه يعلم أن ليس له أي فرصة للرجوع إليها. فقرر في نفسه أنها إن لم تكن أحلام له لن تكون لغيره. سأل مصطفى بدهاء: هل يوجد أي حل ودي مع رامز؟ أجاب المحامي أنه قد حاول كل الطرق مع رامز، بدون جدوى. قال مصطفى: سأخبرك بمعلومة ربما استطعت استخدامها لصالح أحلام ألا وهي جشع منى للنقود ولك مني أي مبلغ تساومك منى عليه، وإياك أن تخبر أحلاما بهذا الحديث. ابتسم المحامي قائلاً: طبعاً، معلومة رائعة.
سافر مصطفى إلى مكان سكنه وظل على اتصال بالمحامي والسؤال عن أحلام وجابر من بعيد.
استطاع المحامي إغراء منى بالنقود وهي بأسلوبها المراوغ مارست أساليب الضغط على رامز حتى وافق على التنازل ودياً عن حضانة جابر. وقد حرص المحامي الذكي ان يضع شرطاً يضمن لأحلام الزواج والعيش في أي مكان دون خسارة حضانة ولدها.
اتصل المحامي بأحلام وأخبرها بالاتفاق وقال إنه وجابر في الطريق إلى منزلها. كان قد مر على هذه المحنة سبعة أشهر وكانت هذه الأشهر كفيلة بكشف الكثير. لقد تبين لجابر أن ملاذه الوحيد من البشر هي أمه وتبين لأحلام أن أولى أولياتها هي جابر. واكتشف مصطفى أنه يحب أحلاما حباً من نوع آخر وأنه يريدها في حياته دوماً.  وبان رأفت على حقيقته. وتبين أن رامز لم يتغير؛ فهو نفس الإنسان الذي يتأثر بكلام من حوله، قوته الوحيدة هي الانتقام، وما أضعفها من قوة. تبين في هذه الأشهر أن جدة جابر لأبيه قد تابت إلى ربها وحاولت العناية بجابر حتى تمر هذه المحنة.
في مطار بلد الغربة، وصل جابر وأمه أحلام ليجدوا الجميع في استقبالهم ومن ضمنهم ام مصطفى وولديه وأخوات مصطفى جميعهن وأزواجهن وأولادهن وبناتهن. وكان مصطفى قد استأجر مجموعة موسيقة لتقوم بزفة ودبكة عربية جميلة. وهناك وأمام الجميع ووسط ذهولهم وضد توقعات أحدهم. توجه مصطفى مع ولديه، الشابين الصغيرين المهذبين الوسيمين إلى أحلام والشاب الصغير جابر ونطق مصطفى بالكلمات التالية: أحلام أنا وأبنائي أدركنا أن حياتنا ناقصة بدونك أنت وجابر. ثم نظر إلى جابر وأحلام معاً وسأل: هل تقبلان أن تكونا جزءا من عائلتنا؟ 
ومن يومها عاش الجميع بهدوء ورحمة ومودة، وكللها أعلى مرتبة من حب المشاعر الجياشة. تعاونوا فيها على الحلوة والمرة. وجاءت إضافة جديدة إلى العائلة أسموها فرح. 
ودامت الأفراح عامرة في بيوتكم.
و توتة توتة خلصت الحدوتة. حلوة و لّا ملتوتة.
مع تحيات بسمة بسيسو وإلى لقاء قريب لتحليل القصة واستنتاج المواعظ والحكم الخفية.
حقوق الطبع والنشر محفوظة للكاتبة بسمة بسيسو لجميع أجزاء القصة (فتاة اسمها أحلام).

Comments

  1. الله يعطيك العافية بسومه نهاية جميلة وغير متوقعة نوعا ما

    ReplyDelete

Post a Comment

Popular posts from this blog

الجزء 12

الجزء 25