الجزء 20

بعد إتمام مراسيم الجنازة ومرافقة مصطفى روزا إلى مثواها الأخير. عاد مصطفى الى منزل والده حيث فتحت دار للعزاء ووجد هناك والدي روزا وأخيها جون يبكون بحرقة على ما أصابهم. سلم عليهم واحتضنهم ولم يستطع أن يتكلم بغير كلمتين: ذهبت روزا، ذهبت روزا.
بعد أن انصرف جميع المعزين سأل مصطفى: أين علي وآدم؟  أجابته إحدى أخواته: صمم الاثنان الذهاب مع أحلام إلى منزلها ولم نستطع ان نفعل شيئا أمام بكاء آدم ولم يشأ علي أن يترك علياً وحده. طأطأ مصطفى رأسه متعبا حزينا والتفت إلى جون وشرح له وضع تعلق الولدين بأحلام. وقال له: أتأتي معي لنرجع الاطفال الى البيت؟ قال جون: لقد سمعت عن أحلام كثيراً من أختي وكانت قد أعانتها على غربتها. هيا لنذهب. ذهبا إلى منزل والد أحلام وقرعا الجرس وفتح أخ أحلام الاكبر الباب وقال: تفضلا. أجاب مصطفى: كلا يا عزيزي فقط نريد الأولاد فأنا مرهق تماماً. حسناً انتظرا في غرفة الضيوف حتى احضر الطفلين. ذهب الأخ ليحضر الطفلين الذين أبيا ان يغادرا جانب أحلام. ولكن أحلام بحلمها وحبها اقنعتهما بالذهاب ووعدتهما أن تصحبهما غدا بإذن الله.
اصطحب مصطفى وجون الأطفال إلى المنزل وذهبا مباشرة إلى النوم في نهاية ذلك اليوم العصيب. مرت ثلاثة أيام على موت روزا، وتذكر الوصية فقرر أن يفتح الوثيقة امام أهل روزا ويقرأ هو النسخة العربية وهم النسخة الإنجليزية.
كانت الوصية كالتالي:
أمي وأبي. أحبكما جدا. منحتماني أجمل حياة وربيتماني على قوة الشخصية والقدرة على أخذ القرارات الصعبة وتحمل نتائج اختياراتي في الحياة. بسببكما كان عندي القدرة على اختيار شريك حياتي ثم مجرى حياتي ثم اختياري للدين الإسلامي. شكراً لكما أنكما أحببتماني كما أنا. تذكرا أوقاتنا الجميلة دائماً.
جون، شكراً يا عزيزي وأول صديق لي في الحياة، يا من بقيت سندي حتى بعد تغيير ديني. أرجو ان تجد نصفك الآخر قريباً. تذكر اوقاتنا الجميلة وأحاديثنا عندما تشتاق إلي.
أود منكم جميعاً أن تقرأوا ما كتبت لمصطفى بصدور واسعة فأنا أعلم أنكم في حزن عميق بسبب موتي.
حبيبي مصطفى، يا من فضيت معه أجمل ايام شبابي، يا من احترم الأنثى داخلي، يا من دفعني إلى الأمام ولم يشعرني يوماً أنني مريضة. أحبك فوق ما تتصور، أحترمك أكثر مما تتخيل. خذ بالك من اولادنا يا مصطفى. لكنك بعد فترة لن تستطيع وحدك. أعلم أن والديك وأخواتك سيساعدونك، لكنني أريد أسرة لولدي، أب وأم وإخوة. تزوج أحلام. لن أشرح لماذا فأنت تعلم ماضيها وحاضرها وأهلها ودينها وعلاقتها بي وبالأولاد. مصطفى، إنني أعلم أنك ستقاوم كلامي هذا ولذلك كتبته على ورق حتى يبقى دليلاً امامك على مباركتي لهذه الخطوة.
في أمان الله جميعا. أوصيكم بملاكي الصغيرين علياً وآدم. إنهما لا يزالان صغيرين ويمران بعمر حرج جداً الآن وبحاجة إلى كثير من الحب والحنان. لا تعتقدوا أن سن الثالثة عشرة والسادسة عشرة عمراً كبيراً، لا زالوا صغاراً.
مع الحب.
روزا.
انتفض مصطفى من مجلسه واقفا، كلا لن أفعل، لن أتزوج بعد روزا. جون: أرجوك اذهب لإحضار الأولاد من عند أحلام.
جون: لكن يا مصطفى، لا تتخذ قرارك الآن، الجرح ما زال غضاً. أعط لنفسك فرصة. أجاب مصطفى: قراري نهائي، لن يذهب علي وآدم لزيارة أحلام البتة. جون: سأذهب لاصطحاب الأولاد لكن لم ينته كلامي معك بعد. مر أسبوعان على هذا النقاش وحان سفر أهل روزا. لم يذهب الولدين خلال الأسبوعين لزيارة أحلام البتة رغم توسلاتهما المستمرة. كانت عطلة منتصف السنة والجو شديد البرد سرمدي يزيد الكئيب كآبة ويسرق الأمل من من داهمهم اليأس.
جلس جون مع مصطفى. يا رجل، أتحسب أن موت أختي كان سهلا علي؟ كلا، ولكني أحترم رغبتها وأجل فيها أنها فكرت بحال الأولاد بعد مماتها. الحياة تستمر، إسمع لما اختارت روزا، وإن لم تستطع الآن. لا تكن أنانيا وتحرم طفليك من صدر أم حنون. لا تيتمهم مرتين.
مصطفى: لن أتزوج أحلاماً أو غيرها وهذا قراري النهائي. ابق على اتصال يا صديقي وأكثروا من زيارتنا فالأولاد يحبونكم جدا وسنأتي نحن أيضاً لزيارتكم عندما تسنح الفرصة. وسأفكر بأمر ذهاب الولدين لزيارة أحلام، أعدك.
انتهت عطلة منتصف العام الدراسي وعاد الاطفال الى المدرسة، على وآدم وجابر وعاد مصطفى إلى العمل في الشركة.
فرح الولدين كثيراً برؤية جابر وهو كذلك وقالا لجابر سنذهب معك اليوم الى بيتكم لنرى الخالة احلام. طار جابر من الفرح.
أما في الشركة فالقصة مختلفة. طلب مصطفى من عمال الشركة نقل مكتبه المجاور لأحلام إلى مكان آخر ولم تر أحلام مصطفى في ذلك اليوم وتم ابلاغها أنه ترأس قسما آخر في العمل وأنها الرئيسة لهذا القسم الآن.
تضاربت الأفكار في عقل أحلام لكن هذا لم يهمها أبدا فأولوياتها هي ولدها وولدها فقط وهذا يكفيها. وتذكرت وعدها لروزا وهو أن تقوم بأقصى ما تستطيع لرعاية ولديها. وهي الآن لن تستطيع إلا أن تعتني بأطفال روزا و تمنحهم الحنان كلما سنحت لها الفرصة.

فهل يلتئم جرح مصطفى قبل فوات الأوان أم ان الفرصة لارتباطه بأحلام ستفوته؟

حقوق الطبع والنشر محفوظة للكاتبة بسمة بسيسو لجميع أجزاء القصة (فتاة اسمها أحلام).

Comments

Popular posts from this blog

الجزء 28 و الأخير

الجزء 12

الجزء 25