الجزء 26

تابعت أحلام عملها لذلك اليوم لكنها كانت شاردة الذهن. وقد لاحظ مصطفى ذلك خلال اجتماع عمل. كان يوجه السؤال لها أكثر من مرة لكي تجيب واستأذنت أن تغادر الاجتماع باكراً بالرغم من أهميته.  آثرت أحلام أن تبقى في مكتبها ولم ترد الذهاب باكراً إلى المنزل. بعد انتهاء الاجتماع، توجه مصطفى إلى مكتبها واستأذنها بالدخول. سألها مصطفى عن سبب شرودها وأنه خلال سنوات عمله معها لم يرها كذلك أبداً.  أجابت أحلام: اتصل بي رامز اليوم وطلب مني أن يأتي لزيارة جابر ولكني طلبت مهلة للإجابة. سآخذ رأيك ورأي أهلي وأوازن الأمور قبل أن أرد الجواب إليه. بما أنك رجل ذو خبرة في الحياة؛ ما رأيك؟ هممم... أجاب مصطفى. يا له من قرار صعب. يبلغ جابر من العمر أحد عشرة سنة وأنا أعلم أن الأولاد يتوقون لصحبة آبائهم في هذا العمر. ولكن في نفس الوقت عليك الحذر فإن اصطحب رامز الولد إلى الوطن كانت الوصاية له قانوناً.  أنا أقترح أن يأتي لزيارته في منزلكم وبوجود أخوتك الشباب وأن يصاحبه أحدهم في حال طلب أخذ جابر في مشوار؛ للحيطة لا أكثر. فعلي أن أحذرك أن كثيراً من الأطفال تم خطفهم من قبل أحد الوالدين. بدأت أحلام بالتوتر لكنها كانت مدركة لكل ما قال مصطفى. 
انتهى الدوام وطلبت من مصطفى أن يصطحب جابراً مع أولاده الى منزلهم وأن أحد إخوتها سيقوم بإحضاره الساعة السابعة مساءً.  أرادت أن تتكلم مع أهلها في هذا الموضوع في منأى عن مسامع جابر. ذهبت أحلام إلى البيت وفاتحت أهلها في الموضوع بعد وجبة الغداء وأثناء تناولهم الشاي بالنعناع.
بدأت الدموع تنزل بهدوء على وجنتي أمها؛ كانت كثيرة التعلق بجابر أما أخوها الأكبر فقال: قطعا لن يراه. من يظن نفسه؟ جابر في الحادية عشرة من عمره وبدأ شاربه يخط وجهه وتذكر الآن فقط أن له ابن! أما الأخ الأوسط والذي كان طالب صيدلة في السنة الثانية عقب وقال: ولكن لا يجوز لنا شرعاً أن نحرم الأب والابن من رؤية بعضهما أما الصغير وكان في الثانوية العامة قال: اسألوا جابر.
أما أحلام فقد ازدادت حيرتها وبعد تفكير طويل وإقامة الليل، قررت صباحاً أن تأخذ بنصيحة أخيها الأصغر وإن وافق جابر على رؤية والده أخذت بنصيحة مصطفى.
بعد انتهاء اليوم الدراسي اصطحبت أحلام جابرا الى مطعم بيتزا فقد كانت هذه من الوجبات المفضلة لديه. وبعد الانتهاء من الطعام، قصت عليه ما حدث. لم تتوقع أحلام ردة فعل جابر. قال جابر فرحاً: أتقولين الصدق يا ماما؟ يا الله لقد استجاب ربي لدعائي فأنا أريد بابا. 
كان رد فعل جابر منطقياً بالنسبة لعمره فالأطفال لا حقد في قلوبهم وكان منطقياً بالنسبة للبيئة التي نشأ بها فكانت خالية من الضغينة والنميمة والكره.
سلمت أحلام أمرها لله واستودعت ابنها لله الذي لا تضيع وودائعه.
في اليوم التالي اتصلت برامز وأخبرته أن باستطاعته القدوم لزيارة جابر ولكنها اشترطت عليه أن تكون الزيارة في منزلها أو خارج المنزل لكن بصحبة أحد إخوتها. وطلبت منه ألا يكسر قلب جابر بوصله الآن وقطعه لاحقاً.  وافق رامز على مضض.
كان اللقاء بين الوالد وولده قمة في المشاعر الجياشة. فقد رأى كل منهما جزءاً منه في شكل الآخر. وحضن رامز جابراً وطلب منه السماح مراراً وتكراراً وأنه سيعمل جهده لكي يعوضه عن الماضي.
استقبل أخوة أحلام رامزا في بيتهم، أما أحلام رفضت رؤيته واكتفت بمحادثته على الهاتف بأمور تخص جابر لا غير.
كانت جلسات الأب والابن مليئة بالكلام فكل منهما يتعرف على الآخر. اصطحبه إلى عدة أماكن تسلية ومطاعم وما إلى ذلك بصحبة أحد أخواله طبعاً.  انتهى شهر الإجازة وآن الأوان أن يسافر رامز إلى الوطن. وإذا بجابر يفاجئ أمه برغبته لقضاء شهر آخر مع والده في بيته حيث أن إجازة الشتاء قد بدأت.
ماذا تفعل أحلام الآن؟
على الصعيد الشخصي لأحلام خلال ذلك الشهر فإنها لم تر رامزا وكان مصطفى دائم الدعم والتقوية لها أثناء العمل مع حفظ حدود الاحترام.  أما رأفت فكان من الناس الذين يسألون كثيراً عن أمور لا تخصهم. فكان يسأل الجميع بشكل غير مباشر عن وضع أحلام وحياة أحلام ولقد كان له مأرب في ذلك. وكان مصطفى يراقب تصرفات الموظف الجديد عن كثب وكان يتساءل عن سبب هذ الاهتمام بأحوال أحلام. أما أحلام فلم يكن في تفكيرها سوى جابر فقط!
 فما هو مأرب رأفت يا ترى؟
حقوق الطبع والنشر محفوظة للكاتبة بسمة بسيسو لجميع أجزاء القصة (فتاة اسمها أحلام).

Comments

Popular posts from this blog

الجزء 28 و الأخير

الجزء 12

الجزء 25