الجزء 27

رفضت أحلام طلب جابر بحزم واصرار وطلبت لأول مرة أن تقابل رامزا مذ جاء لزيارة جابر. السلام عليكم د. رامز، أود محادثتك بشأن جابر. رامز: تفضلي. أحلام: أنت تعلم حق المعرفة أنني قد تحملت كثيراً وتنازلت عن الأكثر فقط لأربي ابني. تنازلت عن حقوقي منك وتحملت ظلم الطلاق التعسفي وتعايشت مع إهمالك في السؤال عنه. والآن آن الأوان أن تنصفني يا رامز. تحشرجت الكلمات في حنجرتها فسكتت قليلاً لتستجمع جأشها وقالت: أقنع جابر أنه لا داعي لزيارتك في الوطن وأنك ستأتي لزيارته كل عام وتقضيان وقتاً ممتعاً معا. أجاب رامز بهدوء قاتل: لكن له إخوة ويود أن يعرفهم. أحلام: الآن فقط عرفت أنه له إخوة؟ رامز: أم جابر، أنا لن أقول لولدي ألا يأتي لزيارتي، أستأذنك فعلي الانطلاق إلى المطار.
سافر رامز وأحلام تشعر بالإحباط الشديد والوحدة القاتلة من غير وجود أب لها تسأله ما تفعل وترتمي في حضنه لتحتمي بقوته وحنانه. وبدأت العلاقة بين أحلام وابنها تتهاوى لأن جابر في سن حرج ولا يفهم عواقب الأمور. لأن جابر لا يفهم خوف أمه من فقده إلى والده. لأنه لا يفهم معنى كلمة زوجة الأب. كانت أحلام تحاول إقناعه أنه يستطيع أن يذهب لزيارة والده أي وقت بعد أن يكمل الثامنة عشرة، ولكن ذهبت محاولات أحلام عبثاً وبدأ جابر وبالرغم من أدبه وحسن أخلاقه، يسبب الحزن لأمه. لاحظ مصطفى وضع أحلام ولاحظ أن أخاها الأكبر يحاول جاهداً مواساة جابر بمرافقته إلى أماكن عده وكأنه والده ولكن بدون فائدة. تقدم مصطفى من أحلام قائلاً: دعيني أحاول مع جابر... وافقت أحلام باستحياء لكنها كانت مضطرة فلا تريد خسارة جابر. 
بدأ مصطفى بمرافقة جابر مع علي وآدم إلى جميع الأماكن التي اعتاد أن يذهب إليها مع ولديه. هدأ جابر قليلاً لكن والده لا زال في عقله وحلمه برؤية أخواته وإخوانه لا زال مسيطرة عليه.
في هذه الأثناء استغل رأفت حيرة أحلام وضعفها المعنوي وكان يبعث إليها بعض الهدايا البسيطة مثل علبة شوكولاتة، وردة وما إلى ذلك وكان يبعثها عن طريق خدمة توصيل وبدون اسم. كانت أحلام لا تستلم هذه الهدايا مباشرة وكانت سكرتيرتها هي من تستلمهم عنها. بعد استلام أول هدية، نبهت أحلام سكرتيرتها بعدم استلام أي هدية أخرى. لكن رأفت كان قد استطاع أن يقنع السكرتيرة أن هذا في مصلحة أحلام وأنها بقبولها الهدايا البسيطة ستساهم برسم البسمة على ثغرها الحزين. كانت السكرتيرة صغيرة في السن وليست معتركة في الحياة وظنت أنها بالفعل تصنع معروفاً مع أحلام التي كانت تحبها جداً. وفي كل مرة كانت السكرتيرة تتحجج لأحلام بعذر جديد عن استلام الهدايا.
مرت ثلاثة أشهر على هذا الحال. بدأت أحلام تحس أنها لا زالت شابة وبدأ شعاع الأمل يتسرب إلى قلبها من جديد ولطالما تساءلت عن إمكانية ارتباطها بشخص آخر. لكنها كانت تخاف من تظلم جابرا بهذه الخطوة. وكان رأفت يراقب من بعيد التغيرات على أحلام. فكانت مثلاً تسعد بالورود كثيراً.  فقرر أن يتوقف عن إرسالها لها، ويراقب من بعيد. 
عندما توقفت الورود، شعرت أحلام بخيبة الأمل لكنها كانت كعادتها تحيط نفسها بجدار عال من فولاذ فلم تشعر من حولها أنها حزينة. وكانت تشجع نفسها بالقول: هكذا أفضل فلا أريد شخصاً في حياتي كي لا أظلم جابراً حتى لو بكلمة منه أو نظرة. 
بعد قرابة أسبوعين من توقف الورد، استأذن رأفت أحلام بالدخول إلى مكتبها لمناقشة بعض أوراق العمل. وبالفعل تم اللقاء والمناقشة بشكل عملي ورسمي. وتكررت زيارات رأفت إلى مكتبها بحجة العمل وبدأت أحلام تلاحظ أن بعض المعاملات لم تكن بحاجة أن يرجع رأفت إليها ليتشاور في أمرها. وكما بدأت تلاحظ أن سكرتيرتها تسهل أمور لقائه بها.
لذلك قررت أحلام أن تحقق في الأمر بدءاً من السكرتيرة. وبعد ضغط عليها، بدأت السكرتيرة بالبكاء والاعتذار وأقسمت أنها كانت تفعل ذلك لأنها تحبها. قبلت أحلام الطيبة تبريرها وطلبت منها المغادرة إلى منزلها لذلك اليوم و طلبت منها أن لا تخبر مخلوقاً بما حصل. وأمرتها أن لا تجدول أي موعد لرأفت معها و أن تجدول معاملاته مع مصطفى.
لاحظ رأفت ذلك، ولم يكن صعباً عليه أن يعلم أن أحلاما اكتشفت أنه صاحب الهدايا وكان يعلم أن أحلام لا زالت داخلها تلك الفتاة الجامعية التي لا تسمح لأحد بلمس مشاعرها.
قرر رأفت أن يفاتح أخ أحلام بالموضوع وأن يطلب يدها مباشرة. وبالفعل عمل رأفت على زيارة مكتب غسان، وطلب يد أحلام منه. وطلب منه أن بجس نبض أحلام قبل أن يتقدم رسمياً لخطبتها غي البيت.
وخلال هذه الأشهر الماضية، اعتاد جابر أن يكون مع مصطفى وولديه في معظم الأحيان وكانت علاقته مع والدته تتحسن تدريجياً. 
قص غسان على أحلام مطلب رأفت، أمام والدتها. صمتت أحلام وقالت: أود أن يأتي رأفت لزيارتنا وسأتحدث معه بوجودكما.
تم تحديد وقت الزيارة. لبست أحلام فستانا أسوداً مطرزا بورود جميلة حول ذيل الفستان الطويل وكانت تلبس حجابا ملونا متناسقا مع ألوان الورود. جلست أحلام بكل وقار بعد أن قدمت عصير البرتقال.
بعد مقدمات الحديث، قال رأفت موجهاً كلامه لأحلام: مهندسة أحلام، لقد تشرفت بمعرفتك ولو من بعيد أيام الجامعة ولطالما أعجبتني أخلاقك، ثم شاء القدر أن أجتمع معك مجدداً في مضمار العمل وإنه ليشرفني أن أتقدم رسمياً لخطبتك. وتكلم عن نفسه وأهله وحياته في الوطن. قالت أحلام: لي عندك سؤال واحد: إن تمت موافقتي على الزواج منك، ما وضع جابر؟ أجاب رأفت: لا مشكلة عندي في أن يعيش جابر معنا.
مر على الزيارة شهر ووافقت أحلام أن تتم قراءة الفاتحة وتلبس خاتم الخطبة.
جاء موعد العطلة الصيفية وكان رامز قد علم من خلال أمه (صديقتها أخبرتها) أن أحلام قد ارتبطت. بدأ رامز باستدراج جابر لزيارته في الوطن. وبعد الضغوطات على أحلام من قبل جابر ووعد رامز أن يعتني به ويرجعه لها، وافقت أحلام أن يسافر جابر إلى الوطن.
كانت أحلام تعد الأيام حتى ينتهي شهر إجازة جابر ويعود إلى حضنها. قضى جابر أول يومين في منزل جدته لوالده لم ير فيه سوى والده وعمته رقية وزوجها وأبناءها. كان جابر الآن في الحادية عشرة وقارب على الثانية عشرة من العمر لكنه لم يدر لم تفادى والده زيارته إلى منزله إلى الآن. في اليوم الثالث أصر جابر أن يرى إخوته فهم سبب مجيئه إلى الوطن. لذلك أصطحب رامز أولاده الأربعة وأكبرهم خالد وبناته الاثنتي ليعرفهم على جابر، في منزل الجدة. كان خالد يكبر جابراَ بسنة ونصف تقريباً.  لم يكن اللقاء بين الإخوة كما يتوقع جابر فقد كان صاحبنا يتوق لرؤيتهم كثيراً ليشعر بمعنى الأخوة أما هم فقد اكتفوا ببعضهم عنه. ولم تكن منى كما تعلمون امرأة ذات ضمير حي، فلقد قتلت غيرتها من أحلام الكثير من ضميرها. فلم تحنن يوماً قلب أبنائها على جابر بل العكس.  وكان خالد أقرب أطفالها لها وكان يشاركها مشاعرها نحو جابر.
شعر جابر بالغضب من هذا اللقاء واستأذن جدته بالنوم مبكراً ذلك اليوم.  ومر شهر على هذه الحال ولم ير فيها جابر منى أبداً.  حان وقت السفر وإذ بجابر يحضر حقيبته ليسافر. سأل جدته: أين والدي يا جدتي؟ لقد حادثته على جواله ولم يرد، ستقلع الطائرة بعد ساعتين وعليَّ أن أكون الآن في المطار. أجابت الجدة: لا أدري يا عزيزي، سننتظره سوياً.  في هذه الأثناء بعث جابر إلى أمه رسالة هاتفية ليخبرها ما حصل. واتصلت هي بدورها برامز. رامز، لماذا لم توصل جابر إلى المطار بعد؟ ستقلع الطائرة بدونه! أجاب رامز ببرود: لن أرجع لك جابر. أمي ستربيه وأنت ابدأي حياتك الجديدة مع زوج المستقبل وأنهى المكالمة بهذه الكلمات التي تخلو من الرحمة والتهذيب. جن جنون أحلام ....
حقوق الطبع والنشر محفوظة للكاتبة بسمة بسيسو لجميع أجزاء القصة (فتاة اسمها أحلام).

Comments

Popular posts from this blog

الجزء 28 و الأخير

الجزء 12

الجزء 25